top of page

كيف بنت الصين شبكة موانئ عالمية: استراتيجية "الحزام والطريق" تعيد تشكيل النفوذ التجاري البحري

  • صورة الكاتب: Next News
    Next News
  • 22 يوليو
  • 3 دقيقة قراءة

تبرز الموانئ بوصفها شرايين التجارة العالمية ومحاور استراتيجية تعكس موازين القوى الاقتصادية والجيوستراتيجية بين الدول. وفي خضم التنافس المحتدم بين القوى الكبرى لتعزيز نفوذها البحري، تبرز الصين كلاعب رئيسي يعيد رسم خريطة النفوذ التجاري العالمي من خلال تحركات محسوبة واستثمارات ضخمة ومدروسة في البنية التحتية الحيوية للموانئ.


كيف بنت الصين شبكة موانئ عالمية: استراتيجية "الحزام والطريق" تعيد تشكيل النفوذ التجاري البحري

تنظر الصين إلى الموانئ كأدوات استراتيجية محورية لإعادة تموضعها على الساحة الدولية وتعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي. فمنذ إطلاقها مبادرة "الحزام والطريق" الطموحة، تسارعت تحركات بكين لتعزيز حضورها في مرافئ العالم، مع تركيز خاص على أوروبا. تستغل الصين الأزمات الاقتصادية التي تمر بها بعض الدول الأوروبية وفراغات النفوذ لتبني سياسة تقوم على الدمج بين الاستحواذ على حصص في الموانئ والانخراط طويل الأمد في إدارتها وتشغيلها.


محركات الاستراتيجية الصينية في الموانئ العالمية

يشير تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" إلى عدة عوامل رئيسية دفعت الصين لتسريع استثماراتها في الموانئ بعد إطلاق مبادرة "الحزام والطريق":


إعادة إحياء طريق الحرير: تهدف المبادرة إلى تحديث طرق التجارة البرية والبحرية، وإعادة إحياء طريق الحرير التاريخي الذي ربط الصين بأوروبا لعدة قرون عبر مدن مثل فالنسيا في إسبانيا. الموانئ هي نقاط اتصال حيوية لهذه الطرق البحرية.


القوة الاقتصادية والتحكم في سلاسل الإمداد: إن التغيير في السيطرة على ميناء ما يمكن أن يؤدي إلى تغيير طرق التجارة، وهو مؤشر واضح على القوة الاقتصادية. خصوصًا وأن أقل من عشر مجموعات شحن عالمية كبرى، بما في ذلك كوسكو (COSCO) الصينية، وإم إس سي السويسرية (MSC)، وسي إم إيه سي جي إم الفرنسية (CMA CGM)، وأيه بي مولر-ميرسك الدنماركية (A.P. Moller-Maersk)، تنقل كل حاويات العالم تقريباً. السيطرة على الموانئ تمنح الصين نفوذاً هائلاً في هذه الشبكة الحيوية.


الانتشار العالمي: تنتشر الموانئ التي تستثمر فيها الصين الآن في جميع أنحاء العالم، وفقًا لقاعدة البيانات التي أعدتها زونغ يوان زوي ليو في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، مما يعكس استراتيجية انتشار واسعة النطاق.


التركيز على أوروبا والاستحواذ الانتهازي

تسعى بكين، عبر شركة كوسكو الحكومية العملاقة، إلى ترسيخ حضورها في موانئ أوروبا. تستفيد الصين من التحولات الجيوسياسية والتجارية، لا سيما بعد أن تسببت الرسوم الجمركية الأميركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب في إعادة توجيه الصادرات الصينية بعيداً عن السوق الأميركية، لتغزو الأسواق الأوروبية. في ظل هذا الواقع، أصبحت موانئ مثل إسبانيا مراكز نمو حيوية لحركة الشحن الصيني، خاصة في قطاعات مثل السيارات الكهربائية التي تشهد طلباً متزايداً في أوروبا.


اللافت أن الصين لا تعتمد فقط على بناء الموانئ من الصفر في الدول النامية، بل تمضي في أوروبا باستراتيجية "الاستحواذ الانتهازي". هذه الاستراتيجية تقوم على اقتناص الفرص خلال الأزمات الاقتصادية، كما حدث في ميناء فالنسيا بإسبانيا. ففي عام 2017، استحوذت كوسكو على حصة 51 بالمئة منه مستغلة أزمة الديون الإسبانية، ومغادرة مستثمرين أميركيين لم يرغبوا بالبقاء طويلًا في هذا القطاع، مما سمح لكوسكو بملء الفراغ.


ميناء فالنسيا تحديدًا أصبح عنوانًا للنجاح الصيني في أوروبا. فقد تجاوزت حركته ميناء بيرايوس اليوناني، حيث ناول أكثر من 5.4 مليون حاوية مكافئة العام الماضي. ويُصنف الآن كأكثر الموانئ المتوسطية ترابطًا في خطوط الشحن، وفق مؤشر الأمم المتحدة. هذا يعزز من قدرة الصين على تحريك البضائع بكفاءة في عمق السوق الأوروبي، ويمنحها ميزة تنافسية كبيرة.


ويشير التقرير إلى أن الاستحواذ الصيني على البنية التحتية للموانئ الأوروبية يعكس تحولًا في ميزان القوى الاقتصادية. فسيطرة عدد محدود من اللاعبين على حركة الحاويات عالميًا يجعل التحكم في بوابات الدخول والخروج في أوروبا ورقة استراتيجية مؤثرة تمنح بكين نفوذاً كبيراً في معادلة التجارة العالمية.


مبادرة "الحزام والطريق" ودور التكنولوجيا

توضح الكاتبة الصحافية الصينية سعاد ياي شين هوا لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن مبادرة "الحزام والطريق" هي المحرك الرئيسي وراء تكثيف الصين لجهودها في بناء شبكة موانئ عالمية في السنوات الأخيرة.


من الأمثلة البارزة على هذا الانتشار:


ميناء بيرايوس في اليونان: الذي أصبح مركزاً مهماً للشحن الصيني إلى أوروبا.


ميناء جوادر في باكستان: نقطة استراتيجية تربط الصين ببحر العرب.


كياوكفيو في ميانمار: تعزز الوصول الصيني إلى المحيط الهندي.


ميناء ليكي في نيجيريا: يعزز الوجود الصيني في غرب إفريقيا.


وقد شاركت الشركات الصينية بعمق في تشغيل هذه الموانئ من خلال الشراكات والأساليب التعاقدية المختلفة، مما أسهم في تطوير محاور نقل استراتيجية تربط آسيا وأفريقيا وأوروبا. لم يعزز ذلك أمن وسلامة طرق الشحن الصينية فحسب، بل ساعد أيضاً الدول المضيفة على تطوير البنية التحتية وخلق فرص عمل، مما جسد مبدأ "المنفعة المتبادلة" الذي تروج له الصين.


وتشير ياي شين هوا إلى الدور المحوري للتكنولوجيا الصينية في هذا المسعى. فقد تم إدخال أنظمة ذكية وتقنيات الموانئ الخضراء والمعدات العاملة بالطاقة النظيفة، مما أسهم في رفع الكفاءة التشغيلية وتقليل الانبعاثات الكربونية. كما أسهم الدمج بين الموانئ والسكك الحديدية والطرق السريعة في تعزيز الترابط الإقليمي وزيادة مرونة سلاسل الإمداد العالمية، مما يجعل الموانئ الصينية جزءًا لا يتجزأ من نظام لوجستي عالمي متكامل

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page